الأقلّيات المسلمة في العالم .. دراسة لأوضاعها الإجتماعية والسياسية والفكرية
الأقلّيات المسلمة في العالم .. دراسة لأوضاعها الإجتماعية والسياسية والفكرية
ضياء الخزرجي
بسم الله الرحمن الرحيم
بداية المحنة
من خلال المنطلق الشمولي للأمة الإسلامية أنظمة وشعوباً لابد من التعرّف وبدقة على حجم المحنة التي تعيشها الأقليات المسلمة: جذورها وفروعها وثمارها والأيدي الخفية والمرموزة التي تخطط لها والتي تمارس التنفيذ بطريق مباشر وغير مباشر، ومن ثم الإحاطة التامة بالأقليات المسلمة كماً وكيفاً; يعني معرفة الاقليات وظروفها الاجتماعية والثقافية والسياسية والإقتصادية والنفسية.
ومع الأسف الشديد لا يتوفر لدينا ولحد الآن إحصائيات دقيقة عن عدد الأقليات المسلمة في عالمنا المعاصر لكي يتيسر لنا الوقوف على حجم المحنة رغم كثرة المؤسسات الإسلامية التي تبدي لنا اهتمامها بالمشكلة، وعلى العكس تماما بالنسبة للأقليات غير المسلمة في البلاد الإسلامية; لأن لها مؤسساتها الجادة المعنية بها; والتي تتحرك وتخطط من خلال المنطلق العقائدي لامن خلال العواطف والدعايات الفارغة والثرثرة في الكلام.
ان منطلق الاحساس بمحنة الأقليات المسلمة الذي يعتبر بداية الطريق ينبغي أن يكون منشؤه تجسديد الواقع المرير الذي تعيشه تلك الأقليات لأنه يكشف عن اللامبالاة واللامسؤولية من قبل الأنظمة والمفكرين الاسلاميين وتدين الشعوب المسلمة بالتقصير تجاهها.
ان الحقيقة التي ينبغي ان لا تغيب عن الاذهان من خلال تسليط الأضواء على تلك المحنة التي واجهتها الأقليات الإسلامية تاريخياً هو الدور التخريبي الذي قام به الاستعمار الصليبي في البلاد الإسلامية من إرساء قواعد المحنة لتظل باقية الى الأبد; وكذا النفوذ الصليبي والروسي والهندي والبوذي; وكذا دور التبشير الذي مهّد للاستعمار..
إن أشرس حروب الابادة على الأقليات المسلمة اليوم هي الحروب التي تشن باسم المسيح «ع» وهي في الحقيقة امتداد للحروب الصليبية والتي تركت بصماتها على الأنظمة الحديثة; وليس عجيباً أن يشن النظام الشيوعي حروب الابادة على الأقليات المسلمة في الأراضي الواقعة تحت نفوذها; فقد طفت على السطح منذ عام 1917م من خلال استعمالها الأساليب والسلوكيات الغوغائية والهمجية والدموية، وقد أسفرت عن وجهها في تخليها عن الدين واعلانها الحرب على الإنسان حتى اصبحت الشيوعية والإنسانية تسيران على طريقين متوازيين لا يلتقيان. وأما الهندوكية والبوذية فقد عملتا هما أيضاً على إبادة المسلمين في أراضيها كما في الهند وبورما وتايلاند وسريلانكا; لأنهما وثنيتان حاقدتان لاتزالان تعيشان عصر الجاهلية ومحاكم التفتيش..
إن استقراء التاريخ الاسلامي يرى وبوضوح أنه حافل بالصفحات البيضاء الناصعة في معاملة الدول الإسلامية للاقليات المسيحية فيها ولا تزال اليوم تشهد بعدم وجود شكوى واحدة من أقلية مسيحية مثلاً فيها بينما ترتفع عشرات الصرخات من معاملة الدول الغربية والشرقية اللااسلامية للاقليات المسلمة فيها.
إن الذي ينبغي ادراكه هو أن الأقليات المسلمة في العالم المعاصر تواجه تحديات ليست سياسية فحسب، بل تحديات على الصعيد الفكري والحضاري مثل الماركسية والصليبية والماسونية والعلمانية والصهيونية من دون ان يكون لتلك الأقليات المسلمة أيّ نوع من التحدي والمقاومة لأمواج العنف والارهاب الذي تشنّه كل تلك المؤسسات المادية ولاسيما تلك الأقليات الإسلامية التي لا تملك رصيداً ذا بال يذكر من الفكر الاسلامي الأصيل.
ونتسائل هنا:
ماذا قدمت المؤسسات الإسلامية للأقليات المسلمة لرفع المحنة والحصار بشتى أنواعه المفروض عليها؟.
وللاجابة على هذا التساؤل ومع الأسف الشديد نقول: في المجال السياسي لم تقدم شيئاً; بل أكثر من ذلك كلّه وهو أنّها مازالت تتعامل مع الأنظمة المعادية والمضطهدة للأقليات المسلمة في بلادها سياسياً; فمثلاً اندونيسيا التي تعد من أكبر الدول الإسلامية تشترك في حلف يضم في أعضائه الفلبين وتايلاند اللتان مارستا الأساليب البشعة والوحشية في حربهما ضد الاقلية المسلمة.
وأما على الصعيد المادي فإنه يبعث على الحياء والخجل الشديد، فلازالت الدول المسلمة الفقيرة تعيش على القروض والمعونات التي يقدمها الصندوق الدولي لها، وأما الدول البترولية فتراها مثلاً تقدم المعونات للمؤسسات الإسلامية في الهند عام 1984م خمسة ملايين دولاراً; بينما تلقت مؤسسات التبشير المسيحي هناك ما يبلغ حوالي مائة وعشرين مليونا من الدولارات في نفس العام، وقد دفعت أمريكا وحدها 60% بالرغم من الفارق الكبير بين عدد المسلمين وعدد المسيحيين في الهند.
واما على الصعيد الروحي والفكري فلم تبذل المؤسسات الإسلامية للاقليات المسلمة سوى القليل جدّاً; فالفارق كبير جداً بين المبعوثين الاسلاميين سواء من الأزهر أو رابطة العالم الاسلامي بمكة وغيرهما وبين عدد المبشّرين المسيحيين في نفس الدولة; فالمبشّرون المسيحيون يمتلكون من الإمكانات المادية والثقافية ووسائل التبشير ما لايملكه الإسلاميون، وفي الواقع يمتلك المبشرون المسيحيون إستراتيجية وبرمجة في العمل يفقدها الإسلاميون.
إن الإسلاميين بإمكانهم تقديم الكثير للأقليات المسلمة في عالمنا المعاصر متى أحسوا بالمحنة وعقدوا العزم على العمل من أجل رفع المستوى المادي والمعنوي لها وذلك من خلال إستراتيجية ناجحة وخطط وبرامج مكثفة ومستمرة لرفع الوعي الثقافي والسياسي والإجتماعي لإستيعاب أكبر عدد ممكن من المسلمين.
إن عوامل النجاح لهذه الإستراتيجية ترتكز على عدة أمور:
منها: التخطيط القائم على دراسة موضوعية شاملة، وتوفير الإمكانات المادية والمعنوية معاً.
ومنها: دراسة موضوعية لمعوقات النجاح من خلال إستقراء الارتجال الذي يتجاهل التخطيط، والإمكانات الضعيفة التي تحتويها; ومعرفة التقلبات السياسية على الصعيد المحلي والدولي.
ومنها: معرفة المواجهة وكيفية التصدي لحل المشكلات التي تعانيها المؤسسات الإسلامية سواء من الداخل أو ما تأتيها من الخارج.
عملية التذويب للأقليات المسلمة
إن عوامل التذويب ومحاربة الإسلام اليوم أقوى مما كانت عليه في أي وقت مضى باعتبار الإسلام فكراً وعقيدة، فالحرب اذن تدخل ضمن إطار الفكر والثقافة التي تدور رحاها في أعنف صورة في العالم المعاصر ويحاول الغرب أن يبذل أقصى جهده لكسب المعركة الثقافية والفكرية; باعتبار أن ثقافته إذا سادت إقليماً فلا تلبث أن تتلاشى شخصية هذا الاقليم في شخصية الغرب ومن توابعه.
وإليك نموذجان من سياسة التذويب، ففي آسيا مثلاً وحسب الاحصائيات يبلغ عدد الأقليات المسلمة حوالي مائتين وسبعين مليوناً يمثل نسبة تساوي12% من عدد سكان الدول التي تستوعب هذه الأقليات المسلمة، وبلغت أكبر الأقليات المسلمة في الصين مثلاً أكثر من مائة مليون أي أكثر من 10% ثم الهند أكثر من ثمانين مليون اي 12% ثم الأتحاد السوفيتي حيث يضم أكثر من خمسين مليونا أي حوالي19%. لقد تحرك أعداء الإسلام هناك في عدة محاور للإطاحة بالإسلام وتذويب مبادئه عقيدة وشعوباً وهي: الصليبية والشيوعية والصهيونية وكذا الهندوكية التي تعمل وبشراسة في الهند، والبوذية في تايلاند وبورما، ومع الأسف لا يعلم الرأي العام الإسلامي شيئاً عما يجري من سياسة التذويب الذي تقوم به البوذية والهندوكية ضد الاقليات الإسلامية. وقد شارك الإعلام الغربي والشرقي في عملية التذويب وكان لهما الحظ الأوفر في تلك التعمية; ولا أثر للإعلام الإسلامي في كل تلك التهديدات لإتخاذه سياسة التبعية لتلك الدول العظمى والتي بيدها مصير الشعوب المقهورة والأنظمة الحاكمة التي تقوم بحفظ مصالحها جهد إستطاعتها; فهو يفقد التعبير عن الإرادة المستقلة وحرية التعبير عن الرأي لأن فاقد الشيء لايعطيه كما قيل.
فالصراع بين الإسلام وخصومه قائم في كل مكان ولن يتوقف مادام في الفكر والعقيدة وبعبارة أخرى صراعاً ثقافياً حضارياً. إن الصراع في آسيا هو صراع فكري ثقافي وسياسي وحضاري، فالتبشير الصليبي تحركه العقيدة في هذه القارة من العالم وهو في نفس الوقت يمهد للسياسة التي هي الاستيلاء على مقدرات الشعوب المسلمة عقيدة ونظاماً وشعوباً ومن ثم بسط النفوذ الإستعماري فيها، وأما الحروب الصليبية فقد حركتها العقيدة مستهدفة السطوة على البلاد الإسلامية وبسط النفوذ السياسي عليها، فهي متّسمة بسمات الدين منطلقة من البابوية في روما وهي تتظاهر بانقاذ القدس وقد كان هدفها أكبر كما قال ذلك «غاردنر» «أن الحروب الصليبية لم تكن لانقاذ القدس.. إنها كانت لتدمير الإسلام» ولم تكن الهجمات الإستعمارية في القرنين الأخيرين على البلاد الإسلامية إلاّ امتداداً للحروب الصليبية; قال الجنرال الفرنسي الصليبي بعد أن انتصر في «ميسلون» خارج دمشق بعد توجهه الى قبر صلاح الدين الأيوبي عند الجامع الأموي وقد ركله برجله: هاقد عدنا يا صلاح الدين ([1]).
ولقد هنأ «جورج» وزير خارجية بريطانيا يومئذ «اللنبي» في البرلمان الانجليزي لانتصاره في آخر حملة من الحروب الصليبية والتي سماها: الحرب الصليبية الثامنة. قال «باترسون سمث» في كتابه: باءت الحروب الصليبية بالفشل.. لكن حادثاً خطيراً وقع بعد ذلك حينما بعثت انجلترا بحملتها الصليبية الثامنة ففازت هذه المرة.. إن حملة ـ اللنبي ـ على القدس أثناء الحرب العالمية الأولى هي الحملة الثامنة والأخيرة» ([2]).
إن الخطة المدروسة حول محنة، الأقليات المسلمة لايمكن فصلها عن محنة الإسلام ككل لأن مخططات الأعداء هي ملاحقة الإسلام في أي مكان.. والمحنة في آسيا لا تعمل من خلال الأشخاص بل من خلال العقائد والإيديولوجيات، ففي افريقيا مثلاً بدأ نشر الأفكار بصورة التبشير لتمهيد السيطرة والنفوذ ثم بصورة الماركسية لتوسيع النطاق في افريقيا، وأما الصهيونية فلا نتجاهل دورها في افريقيا; فقد تسلّلت في غفلة من زمن الأمة العربية والإسلامية وعملت في سائر الدوائر تحت ظل الحماية الإميركية والنفوذ الأوربي. وأما في آسيا فإنها تختلف تماماً عن دورها في افريقيا; لانها حسبت نفسها أنها دولة!! ولايهم انها ولدت من سفاح أو قامت على أرض مغتصبة.. قال الاستاذ عبد الله التل: إن الجسد الصهيوني قائم في فلسطين; ولكن رأس الأفعى تسعى في كل شبر من المعمورة، ولذلك فهي تنطلق من فلسطين من آسيا، وابتلعت أرضاً وشعبا في آسيا، وتآمرت على الخلافة الإسلامية ومركزها الرئيسي في آسيا واحتلت الجولان السوري والجنوب اللبناني في آسيا..
وأما في افريقيا:
فقد مثل المسلمون فيها أكثر من خمسين في المائة من سكانها، وتمثل الوثنية والمسيحية واليهودية البقية منها; ولم تتوفر إحصائية دقيقة حول مسلميها; وقد كان للأنظمة وبظل الإستعمار دوراً هاماً في عملية التزييف.. إن الصراع قائم اليوم في افريقيا على أشده وأشرسه بين الإسلام من جهته وخصومه من جهة أخرى وهي تتمثل بالثالوث: التبشير والصهيونية والماركسية.. يوجد في افريقيا أكثر من ستين دولة وتمثل الدول ذات الأكثرية المسلمة أكثر من 30% وفيها تبلغ نسبة المسلمين زهاء 80%، وتبلغ نسبة المسلمين في الدول اللاإسلامية أكثر من 30% ولعل هذا الاحصاء غير دقيق لأن الدوائر الغربية هي التي ذكرته في إعلامها معتمدة بالدرجة الأولى على الهيئات التبشيرية، وعلى كل حال; فلا غرابة في أن نعدّ القارة الافريقية قارة إسلامية، وليست المشكلة هي حفظ الاسماء وإنما هي الحفاظ على المسميات..
لقد ألقى الإستعمار بذور المحنة في افريقيا وقد أثمرت هذه البذور فيها وما هذه المحنة التي تعانيها الأمة الإسلامية المعاصرة إلاّ شاهداً حيّاً على صدق المدعى. إن مهمة الإستعمار لم تكن سياسية وإقتصادية من السيطرة وإمتصاص خيرات البلاد وفتح أسواق جديدة لمنتجات الدول الإستعمارية فحسب، بل وعقائدية أيضا للزحف على البلاد الإسلامية وإيقاف المد الإسلامي وتحديد نشاطه وتجميده. وأخيراً نتوقف في هذه المحطات الرئيسية من خلال الدراسة لأحوال افريقيا وهي:
أ ـ تعد قارة افريقيا قارة إسلامية من ناحية الكم لا الكيف.. وهي تدور حول عدة محاور: منها التبشير لحساب الصليبية، وإسرائيل لحساب الصهيونية، وروسيا لحساب الشيوعية; وكل من تلك المحاور يحاول أن يصبغها بالصبغة العقائدية أو الايديولوجية وقد إستعمل وسيلتان في ذلك هما: النفوذ سياسياً كان أم إقتصادياً، والفكر عقائدياً كان أم إيديولوجياً; ووسيلة ثانوية هي العمالة.
ونلقي الضوء على التبشير; فإنه لم يعد بذلك المعنى الذهني وهو التبشير السلمي الذي يناقش بالرأي، ولم يعد مجاله الطبيعي هو البيئات الوثنية في أغوار افريقيا بل هو تحدي للإسلام وإعتقاداته، ومحاولات جادة لتنصير المسلمين، ومخططات التبشير أو التنصير تزعم أنها حددت زمناً معيناً لتصبح قارة افريقيا قارة مسيحية، بينما المسيحية الآن لا تزيد على 20% وزمناً معيناً لتحويل اندونيسيا أكبر دولة مسلمة الى دولة مسيحية بينما لا تمثل المسيحية فيها أكثر من 1%، وسائر الإرساليات والبعثات المسيحية في افريقيا على صلة وثيقة بالفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي وأمريكا ودول اوربا الغربية، وقد قام بابا الفاتيكان بزيارة أخيراً الى بعض دول افريقيا وكانت «كينيا» هي الهدف ليشهد قداسته تعميد المسلمين الذين تنصروا..
وأما اسرائيل:
فإنها تحركت وبسرعة في افريقيا فأقامت علاقات دبلوماسية وثقافية وإقتصادية مع العديد من دول افريقيا ومنها الدول المسلمة فيها وكان كل ذلك بتخطيط ودراسة وضعتها ثم قامت بتطبيقها وتنفيذها بعد قيامها، وقبل عام 1952 ولم يكن في نيجيريا ذات الأغلبية المسلمة يهودي واحد، ولم يأت عام الاستقلال 1960م حتى كان الخبراء اليهود يملئون شوارع العاصمة (لاجوس) وقد سيطروا على اقتصاد نيجيريا ولم يفطن لذلك أحد.. وقد مهدت الصهيونية جنباً الى جنب الإستعمار لاختيار أول رئيس جمهورية بعد الإستقلال عام 1960م وكان مسيحياً هو الدكتور «أزيكو» بحجّة أنه المثقف الوحيد الجدير بهذا المنصب; وهكذا قاما بنفس الدور في تشاد والسنغال حيث عين في تشاد أول رئيس للجمهورية كان قسيساً نشأ في مدارس اللاهوت وكذا في السنغال.. ونذكر ما قامت به الصهيونية والاستعمار من إرتكاب أخس الجرائم بأخس الاساليب في نيجيريا في 15 يناير عام 1966م من كتاب «الأفعى اليهودية في معاقل الإسلام» مايلي: المعروف أن نيجيريا يتألف اتحادها من أقاليم ثلاثة هي الإقليم الشمالي وفيه الاغلبية الساحقة من المسلمين وزعيمه «أحمد وبيللو»; والاقليم الشرقي والمسيحيون فيه أغلبية بزعامة الدكتور «أزيكو» وقد نصبه الاستعمار أول رئيس للجمهورية، ثم الإقليم الغربي وهو خليط من المسلمين والمسيحيين والوثنيين... ولما كانت زعامة «احمد وبيللو» تمثل خطراً كبيراً، فقد قرروا التخلص منه ونجحوا بوسائلهم القذرة حتى قيل: إن اسرائيل أنفقت مليونين من الجنيهات الاسترلينية على المؤامرة عام 1966م، وحينما استنفد اليهود كل محاولات الاغراء والتهديد والتآمر لزحزحة البطل عن موقفه الإسلامي الشجاع، لجأوا الى سلاح الإغتيال، فاستأجروا ضباطاً مسيحيين من الإقليم الشرقي ونفذوا مؤامرتهم البشعة التي راح ضحيتها البطل وأسرته ورئيس الحكومة الفيدرالية وبعض أقطاب المسلمين السياسيين والعسكريين.
وأما الشيوعية في افريقيا:
فقد بدأ زحفها عملياً في افريقيا بعد الحرب العالمية الثانية وقد سبقها الإستعمار الغربي فأرادت أن تعوض مافقدته طوال تلك السنين وهي لاتبغي مجرد الدخول في صراع ايديولوجي مع الرأسمالية الغربية فحسب، بل تهدف الى تحقيق السيطرة والنفوذ السياسي من أجل إشباع نزعته فهي تعطي أكثر مما تأخذ بعكس الإستعمار الغربي فإنه يأخذ أكثر مما يعطي.. حتى قدّر له أن ينهب ثروات افريقيا ويفتح أسواقه الشاسعة لاستثمارها... وكانت الشيوعية تعتمد كثيراً على العملاء ليكون لها المد الأفقي.
لقد كانت افريقيا بكراً ولاتزال كذلك وخاصة في المجال الفكري الإسلامي أي الفكر العقائدي والسياسي معاً الذي يكون كفؤاً لمواجهة التحديات.. وهذا الحكم لا ينطبق على الدول ذات الأقليات المسلمة وحدها، بل يشمل الدول ذات الأكثريات المسلمة أيضاً.
إن الفكر الإسلامي ليس عاجزاً بذاته عن المواجهة، ولكن المسؤولية ملقاة على المسلمين أنفسهم في التصدي لهذا المدّ الجارف، فإنه لاشك في أن فتح المدارس وبناء المساجد تؤدي دوراً; ولكن الدور المنشود هو توظيف هذه المنشآت من خلال وضع خطة سليمة ومنهج بنّاء ودعاة يحملون فكراً اسلامياً أصيلاً ويتقنون توظيف هذا الفكر الأصيل.. إن القوى المعادية للإسلام كالصليبية والماركسية والصهيونية او المناهضة له كالماسونية والقاديانية والعلمانية أحدهما تستهدف تقويض البناء والصرح الإسلامي، والأخرى تستهدف تجميد المضمون الإسلامي لتسود أفكارها، وهكذا تقف افريقيا بإسلامها أمام خطر مزدوج... وينبغي ان لا نتناسى إن عنصري التحدي، الإسلام من جهة، وخصومه من جهة أخرى ليسا متكافئين في مقومات التحدي وخاصة في الجانب المادي والسياسي، فالأموال التي تغدق على المؤسسات المعادية تصل الى مئات اضعاف الاموال التي تنفق على المؤسسات الإسلامية.
أرقام وشواهد.. حول عملية التذويب للأقليات المسلمة
ذكرنا إن هناك دوائر مهمة كانت تمارس المحنة ـ محنة الأقليات ـ المسلمة ـ من خلالها.. فالصليبية وإن انتمت ظاهراً وخفاءاً الى دين سماوي إعترف به الإسلام نفسه ولم يضمر له الشر يوماً ما أبداً; فيوم كانت الدولة الإسلامية تعيش عصرها الذهبي كانت الأقليات من أهل الكتاب تعيش في كنفها في مضمون العدل كقوله تعالى: «وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل» فإن هذه السماحة التي تضمنها الإسلام تقابل اليوم من الجهات المعادية له بالعكس.. ولا ينسى الدور الإميركي الذي لعبه في افريقيا ضد الإسلام في مجال دعم الإرساليات التبشيرية وقد أنشأت جسراً جويا بينها وبين «أديس أبابا» لتيسير مهمة وصول الإمدادات ومن ثم تصفية الإسلام في «أريتيريا». وأما في آسيا فإنها تعتبر عنصراً أساسياً في صناعة المحنة; كما نراه في لبنان والإرساليات التبشيرية التنصيرية في «اندونيسيا» والتي زكمت رائحتها النتنة الأنوف ولايحتاج اثبات ذلك الى دليل.
وإذا أردنا أن نتمسك بظاهر اللفظ بالنسبة للأقليات المسلمة في مواجهة المسيحية فإن اختيارنا للاقليات المسلمة في الفلبين هو النموذج الأمثل للمحنة لأن فيها يجتمع على الأقلية المسلمة الفكر والسيف معاً; يمثل الفكر الإرساليات التبشيرية والتنصيرية، ويمثل السيف الجيش الرسمي وهما معاً يحاولان جاهدين لتحقيق تصفية للوجود الإسلامي عن طريق القوة.
أما الفلبين:
فإنها تقع في الشرق الأقصى وفي المحيط الهادي وتتكون من 7100 جزيرة وعدد المسلمين فيها حوالي خمسة ملايين من عدد السكان المضاهي الى خمسين مليوناً، ويطلق على الجماعة المسلمة «المورو» وقد وصل الإسلام إلى الفلبين مبكراً نسبياً في أواخر القرن السادس الهجري وكان الغزو الإسباني عام 1521م فوجد إمارات إسلامية في جزر الفلبين أشهرها إمارة الشريف أبي بكر في «صولو»، وقد بدأ غزو الإسبان للفلبين في صورة من مجموعة سفن الكشوف بقيادة الرحالة «ماجلان» وهم يحملون حقد الصليبية على الإسلام، وقد إستسلمت الفلبين للإسبان وبقيت جزر الجنوب المسلم مستعصية على جميع المحاولات التي بذلها الإسبان لغزوها، ولما يأسوا من فتحها انصرفوا إلى المناطق الأخرى يوطدون بها سلطانهم، ويبشرون فيها بالكاثوليكية وقد كان الإستعمار والتبشير يسيران جنباً الى جنب ([3]).
وظل الإستعمار الإسباني حتى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وهو أطول إستعمار في التاريخ حيث مكثت قواته في الجزر الفلبينية 377 سنة كانت أمريكا قد فرغت من القضاء على النفوذ الإسباني في أمريكا الجنوبية ثم وجهت وجهها نحو الشرق الأقصى للقضاء على النفوذ الأوربي فأخفت مطامعها كعادتها دائماً وارتدت رداء المخلص الذي يأخذ بيد الشعوب المغلوبة; فلجأت الى الثوار الفلبينيين لطرد الإسبان وحينها كانت تفاوض إسبانيا في باريس على شراء الجزر الفلبينية مقابل خمسة ملايين دولاراً عام 1898م سقطت «مانيللا» واستولت امريكا على مقاليد الأمور.. وعندما افتضحت أمريكا عاد الثوار يمارسون نشاطهم ضد الغزاة، لكن في عام 1941م احتلت اليابان الفلبين ودمرت الإسطول الإميركي في ـ بيل هارير ـ ولم يستسلم الشعب الفلبيني لليابان إلا بعد أن ألقت أمريكا القبنلة الذرية الاولى على «هيروشيما» ثم الثانية على «ناكازاكي».
وبعد إستقلال الفلبين يقول مؤلف كتاب «الفلبين»: إن بقاء مسلمي الفلبين إلى اليوم يعد في حد ذاته معجزة فريدة في تاريخه، فقد تعرضوا لحرب إبادة تميزت بالعنف والوحشية بلامراعاة لأي تقاليد حربية أو إنسانية، فقد كان القضاء على الخصم ومحوه هو الهدف الأكبر مهما تكن بشاعة الوسائل التي تحققه ومما يثير الدهشة حقّاً أن التاريخ الفلبيني المدون لم ينظر إلى هذه المقاومة الباسلة للمسلمين في وجه الاستعمار الإسباني باعتبارها جزءاً من رصيد البطولات التاريخية لأبناء الفلبين، بل نظر اليها على أنها أعمال قرصنة!! واعتبر شهداء المسلمين الذين سقطوا في معارك الحرية قراصنة لا أبطالاً يفخر بهم الوطن، ولاشك أن الإستعمار الإسباني ترك بصماته وأنه كان حريصا على ايجاد فجوة بين المسلمين والمسيحيين!!.
وأما في اندونيسيا:
فهي وإن كانت تشمل الأكثرية من المسلمين كماً ولكنها في الواقع أقلية كيفاً والمحنة تلاحق الكيف، ونحن عندما نتحدث عن دولة مسلمة لا نعني أنها تتمتع بأغلبية أو أكثرية في عدد سكانها، بل الأهم إن قدرة تلك الدولة يمكنها أن تحمي دماء المسلمين وحرماتهم أم لا!! وحسبك أن اندونيسيا أصبحت خاضعة اليوم لسيطرة الإرساليات التبشيرية وخاصة الكاثوليكية والبروتستانية ومن خلفها النفوذ الأمريكي وتدعيم الفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي مادياً ومعنوياً..
لقد كانت اندونيسيا هدفاً للاستعمار الصليبي البرتغالي والانجليزي والهولندي على مسار ثلاثة قرون ونصف القرن، عانى فيها الشعب أهوالاً تجلّ عن الوصف، وفي الحرب العالمية الثانية غزتها اليابان ولاقى الشعب من اليابان معاناة فاقت حد الخيال ولما كانت اندونيسيا مركز الثقل الإسلامي في جنوبي شرقي آسيا، فقد ركزت مخططات التبشير عليها أملاً في أن يتحقق للصليبية حلماً يراود أذهانها طويلاً.. ومن خلال إقامة المؤتمرات الدولية فيها قرروا تنصير المسلمين في جزيرة «جاوة» البالغ سكانها 60 مليوناً خلال العشرين سنة القادمة وتنصير اندونيسيا كلها خلال الخمسين سنة القادمة; ولذا عول التبشير هناك على أن يصبح دولة خلال دولة لها مطارات وشبكات إذاعية خاصة تتحكم في الدولة الأصل وتملي عليها شروطها وهكذا أصبحت القلّة الضئيلة سادة والكثرة الساحقة عبيداً. ونصبوا «سوهارتو» أول رئيس جمهورية للبلاد وكان عند حسن ظن الاستعمار الصليبي.. قال مؤلف (الأفعى اليهودية في معاقل الإسلام) ان صلته بالإسلام شبيهة بصلة الذئب، وكان بداية سلوكه تجاهلاً صريحاً للإسلام وإعلان الحرب على الحركات الإسلامية وتشجيعاً سافراً للحزب الشيوعي والإرساليات التبشيرية، وأعلن «سوهارتو» عن مبادئه الخمسة التي تقوم عليها فلسفة الحكم والحياة هناك هي: الإيمان بالله، الانسانية، القومية، سيادة الشعب، العدالة الاجتماعية، وتخلص من أصحاب الثورة الحقيقية، وشجع التبشير المسيحي بصورة لم يسبق لها مثيل، وجعل الحكومة تسهم في نفقات الإرساليات، بل وعين 260 راعياً من القسس في الجيش على نفقة الدولة بالطبع، ولأول مرة في تاريخ الإسلام في اندونيسيا انتقل آلاف المسلمين الى المسيحية تحت سمع الحكومة المسلمة وبصرها!! وكانت النتيجة أن قفز عدد المسيحيين الى ضعف عددهم أيام الاستعمار الهولندي.. ولم يكتف «سوهارتو» بأن جعل أكبر دولة مسلمة في حوزة الإرساليات التبشيرية، بل سعى حتى جعل الدولة المسلمة الكبيرة في قبضة الشيوعيين اقتصاديا وسياسياً، وارتكب مذبحة الجنرالات المسلمين بالجيش في أكتوبر عام 1965م في محاولة إنقلاب شيوعية باءت بالفشل ودفع الشيوعيون الثمن باهضاً..
إن الأيدي التي تعمل للتبشير لم تعد خفية تماما الاّ في حدود التخطيط والتنسيق وهذا ما تقتضيه طبيعة الأشياء لنجاح وتحقيق الأهداف. إن المخططات الصليبية تكثف من نشاطها حيث توجد الكثرة المسلمة التي تحاصرها الحاجة والفاقة.
قال الدكتور «غارودي» المفكر الفرنسي المسلم في محاضرته التي ألقاها في ندوة الفكر الإسلامي العالمي في ماليزيا عام 1984م: إن ما يؤسف له هو أن أفقر دولتين في العالم أحدهما في افريقيا (مالي) والثانية في آسيا «بنغلادش».. وأما محنة بنغلادش; فقد ذكر المودودي في رسالة موجزة بعنوان: (نحن وبنغلادش) حديثاً يشابه الحديث عن اندونيسيا; وذكرت جريدة «النور» القاهرية في عام 1985م تحقيقاً عن «بنغلادش» جاء فيه: إن هناك مائتي منظمة تبشيرية تنصيرية، وان ميزانيتها مليار من الدولارات لتنصير شعب مسلم ينتمي الى ثاني أفقر دول العالم، ودستورها علماني، وقد شجع المنظمات التنصيرية على مضاعفة نشاطها، وتنصر الكثير من الأميين مقابل الغذاء والكساء; وان حوالي مائتين ألف من السكان يموتون جوعاً كل عام.
وأما الشيوعية فهي أيضاً كانت تهدد الدول الاسيوية وبسطت أجنحتها على معظم مساحتها، فالعديد من الدول المسلمة ذات الاغلبية الساحقة ابتلعتها الشيوعية كألبانيا، والصين الشعبية وغيرهما.. قال الاستاذ أحمد طلعت في كتاب «المسلمون في روسيا»: إن الأقليات المسلمة في عهد القيصرية تعاني من أشد المحن، فالحكم قائم على الدين «الارثوذكسي» والمسلمون يسمون «المارقون».. ولقد أبلى المسلمون بلاء حسناً ضد القيصرية واعترف زعماؤهم بذلك.. إن آخر الاحصائيات تقول: إن عدد المسلمين داخل الاتحاد السوفيتي خمسون مليونا، ويلاحظ أن عدد الولايات أو الأقاليم الستة عشرة منها ستة أقاليم يمثل المسلمون فيها أكثرية تبلغ في بعضها 95% وبالطبع تلاشت هذه الاكثرية وتحولت إلى أقلية; فألغيت المحاكم الشرعية في المناطق الإسلامية عام 1926م، ومنعت الانشطة الأدارية الدينية وأشتدت حملات الإرهاب الشرسة ضد المسلمين فاعتقل ابتداء من عام 1928م أكثر من مليون ونصف المليون من المسلمين، وفي عام 1929م أغلقوا وهدموا أكثر من عشرة آلاف مسجد، وأكثر من أربعة عشر ألف من المدارس الإسلامية وتتبع الشيوعية أساليب ترجو من ورائها إذابة المسلمين وتمييع كيانهم، وكان لمحنة الاقليات المسلمة في الإتحاد السوفيتي أبعاداً ذات خطورة لا يتصورها عقل بشري وخاصة ونحن في القرن العشرين; حيث هيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية، ولجنة حقوق الإنسان والقانون الدولي العام.
ونعود الى أفريقيا:
وهذه المرة الى «الحبشة» التي كانت تعد أولى دول أفرقيا التي فتحت الباب على مصراعيه للتسلل الصهيوني في هيئة خبراء ومستشارين اقتصاديين وسياسيين وفي إثر العدوان الثلاثي «انجلترا، فرنسا، اسرائيل» على مصر أواخر عام 1956م حيث أرسل امبراطور الحبشة «هيلاسلاسي» معونة إلى اسرائيل تضمنت عشرات الألوف من رؤوس الماشية، وكانت أشرس دوائر المحن وعمليات التذويب للاقليات المسلمة في تلك الفترة، بل لقد واجه الإسلام الحرب في الحبشة على مسار خمسة قرون أو تزيد على أيدي أجداد «هيلاسلاسي» وحلفائهم من البرتغاليين والفرنسيين والطليان والانجليز; إلاّ أن ماواجهه الإسلام على يد «أسد لهوذا ـ هيلاسلاسي» يفوق في بشاعته كل الذي ذاقه على مر القرون الماضية ([4]).
قال الأستاذ عبد الله التل في كتابه الأفعى اليهودية في معاقل الإسلام: كانت خطة «هيلاسلاسي» لابادة المسلمين والقضاء على الإسلام فيمايلي:
1 ـ حرمان المسلمين من التعليم وتلقي الثقافة الإسلامية واللغة العربية.
2 ـ مصادرة أموال المسلمين وأملاكهم بهدف إفقارهم.
3 ـ هدم ما تبقى من مساجد المسلمين وإقامة الكنائس على أنقاضها.
4 ـ تنصير أبناء المسلمين بالقوة، ونشر الهيئات التبشيرية في جميع البلاد الإسلامية وفرض تقديم العون المالي لها على المسلمين.
5 ـ الفتك بالمسلمين وقتلهم في مجازر جماعية بحجة العصيان ضد الدولة وتدمير قراهم وتشريدهم في الجبال.
6 ـ ابتلاع معاقل الإسلام المحيطة بالحبشة لسد الطريق أمام أية عملية لاستنقاذ مسلمي الحبشة، وبالتالي استئصال شأفة الإسلام نهائياً.
7 ـ حرمان المسلمين من الاتصال الخارجي والحيلولة دون اتصال المسلمين من الخارج بمسلمي الحبشة.
8 ـ حرمان المسلمين من وظائف الدولة برغم أنهم يمثلون 60% من عدد سكان الحبشة.
9 ـ فرض الضرائب الباهضة على المسلمين والسماح للكنيسة بالتسلط على المسلمين وبمصادرة أموالهم وأملاكهم لصالحها.. وهناك ضريبة خاصة فرضت عليهم تسمى «ضريبة الكنائس» وهي فريدة من نوعها.
وأما في الغرب... فإن الاقليات هناك على درجة واحدة من حيث الكيان الذاتي ومن حيث المحنة أيضاً، وإن مصادر المحنة هناك تتركز في الشيوعية والصليبية، والنشاط الصهيوني يؤدي أخطر الأدوار في هاتين الدائرتين.. ونشير الى مسألة هامة هي: أن مسألة الأقليات القليلة العدد نسبياً وعلى سبيل المثال: في النرويج عشرة آلاف مسلم، وفي السويد خمسة وعشرون ألفا; وفي فنلندا أقل من ثلاثة آلاف مسلم، وكلها تعيش محنة الاهمال من العالم الإسلامي..
وأما التحديات التي تعانيها الأقليات المسلمة في بريطانيا فقد قال الأستاذ عبد المجيد بكر في كتابه «الأقليات المسلمة في أوربا»: يواجه المسلمون في بريطانيا العديد من التحديات من أبرزها العنصرية والتعصب; ولقد جاهد المسلمون طويلاً من أجل اعتراف بريطانيا بالاقلية المسلمة، فمن التحديات وسياسة التذويب التي أستعملت هي: مشكلة عدم تدريس الدين الإسلامي، والزواج المختلط.. إننا لانزال عاجزين عن تصور الحقيقة الكاملة غير المنقوصة بسبب العزلة التي فرضتها قوى الشر من أعداء الإسلام على معظم الأقليات المسلمة; فالاقليات المسلمة تواجه مأساة يندى لها جبين العالم الإسلامي الذي أصبح يعيش في غيبوبة مزمنة لا يفيق منها أبداً.. وبالرغم من أن محنة الأقليات المسلمة تستصرخ العالم الإسلامي لكي يحاول التدخل جهد إستطاعته ولكن العالم الإسلامي ليس لديه أي تفكير في التدخل، بل ليس لديه أية خطوة عمل للتدخل وأزاء هذه السلبية المطلقة التي يستمرأها تتضاعف محنة الأقليات المسلمة في العالم يومياً..
إنّ ما تقوم به بعض الهيئات الإسلامية من إبداء أحساسها بالمحنة التي تعيشها الأقلية المسلمة أحياناً فهي وإن شُكرت على ما تبذله من جهود وكونها ممولة مادياً إلاّ أنها غير مدعمة سياسياً من أنظمة العالم الإسلامي ولا الهيئات السياسية الدولية كمنظمة الأمم المتحدة على عكس مجلس الكنائس العالمي.
الخطّة لاعادة بناء شخصية الاقليات المسلمة
ذكرنا أن محنة الأقليات المسلمة في العالم حقيقة مرة واقعة، وإذا كانت القوى المعادية للإسلام هي أصل المحنة، فإن العالم الإسلامي بدوره أيضاً مرتكب جريمة السكوت عن الجريمة.. فالاقليات المسلمة في الواقع مكتوية بجريمتين معاً.. فماذا قدمت المؤسسات الإسلامية للأقليات المسلمة لكي تخرج من أصل المحنة، وماذا يجب عليها أن تقدم؟!.. والإجابة عن التساؤل: أن العالم الإسلامي لم يقدم شيئاً على المستوى الرسمي، ولا يكفي ما تقدمه الهيئات الخاصة!!.. ونحن نلخص أصل محنة الاقليات المسلمة بكلمة «التعصب» أو «تصفية الإسلام» ونلخص موقف العالم الإسلامي «باللامبالاة، السلبية، التخاذل».
أما «التعصب» الذي هو المصدر الأساسي للمحنة وهو قائم من قبل دوائر الصليبية والصهيونية والشيوعية والهندوكية والبوذية التي تريد كلها تصفية الوجود الإسلامي بشرياً وفكرياً; والماسونية ومشتقاتها فإنها تكتفي بالتصفية الفكرية والمعنوية عن طريق السيطرة على الرؤوس الكبيرة.
إن الخطة الوحيدة للخروج من هذه المحنة هي عبارة عن وضع إستراتيجية هادفة وبناءة، ولكن لايمكن توفر هذه إلاّ اذا توفرت النوايا الخالصة والعزائم الصادقة، وهذا يقتضي أن يتبنى العالم الإسلامي أنظمة وشعوباً، هذه القضية كلّها، ومعنى ذلك ان يصبح العالم الإسلامي وحدة سياسية مستقلة لاتدين بالتبعية للقوى المعادية للإسلام، بل تدين بالولاء للإسلام وحده..
إن الخروج من هذه المحنة التي حلّت بالأقليات المسلمة يتم بمرحلتين:
الاولى: توافر وحدة سياسية قوية للعالم الإسلامي.
الثانية: خطة للعمل.. بعد توفر المرحلة الأولى.
ولو حصلت هاتان المرحلتان فان، المرحلة الأخيرة اما تكون عن طريق القوة أو السياسة; والحل الأول غير مقبول اليوم; والحل السلمي أي سياسة المقاطعة يواجه بعض العقبات بسبب الواقع المرير الذي تعيشه الأمة المسلمة المعاصرة، لأن أية دولة في العالم الإسلامي تفتقد الإستقلال الذاتي الحقيقي مادامت لم تصل بعد الى درجة الاكتفاء الذاتي إقتصادياً أو عسكرياً او سياسياً! وتبعاً لذلك تتخذ قراراتها السياسية الخارجية بحذر بلا اثارة فتنة عليها. ونحن نصارح بهذه الحقيقة وهي: إن الجامعة العربية مضى على تأسيسها أكثر من أربعين عاماً ولاتزال على قيد الحياة ولكن مع الأسف لايزال اعضاؤها على خلاف في الرأي وهم أعجز من أن يتخذوا قراراً موحداً بسبب التبعية..
إن المخرج من هذه المحنة لا يتأتى بمعونات تقدم الى الأقليات المسلمة ولا عن طريق المؤتمرات التي تنعقد وتتخذ قرارات وتوصيات ليست ملزمة على الإطلاق.. ولكن المخرج لا يأتي إلاّ من طريق واحد; ليس هو طريق الهيئات والمنظمات الإسلامية التي تخضع لسياسة الدول التي تتبعها، وإنما هو طريق الأنظمة في البلاد الإسلامية، بمعنى أن تتبنى الدول المسلمة القضية لا الهيئات والمنظمات وحدها، ولو أن الانصاف يقتضي عدم إهمال دورها أيضاً، واذا عجزت عن تبني القضية فعلى الأقل لا ترتكب سياسات تصدم مشاعر الأقليات المضطهدة، ثم مشاعر الشعوب المسلمة المتبنية للقضية بقلوبها ومشاعرها، وأدنى مظاهر السلوك غير السوي الود المتبادل بين الأنظمة في الديار الإسلامية والدول التي تذيق الأقليات المسلمة الأمرّين.. بالإضافة الى التعاون السياسي والإقتصادي.. والأدهى والأمرّ أن بعض الدول البترولية تصدّر البترول الى الدول المعادية للإسلام والتي تعلن حرب الإبادة على الأقليات المسلمة في بلادها كالفلبين..
إذن المطلوب هو وجود إستراتيجية للعمل لاتعتمد وحسب على النوايا الطيبة، بل كذلك على العزائم الصادقة، وكل إستراتيجية لها مقومات نجاحها.. وهي ترتكز على مقومات ثلاثة:
أولاً: التخطيط القائم على الدراسة الموضوعية بحيث تشمل كل جوانب المحنة المادية والنفسية وسائر التحديات.
ثانياً: توفر الأمكانات المساعدة مادياً ومعنوياً وسياسياً
ثالثا: التأهيل الشامل للقائمين بالفكرة، دارسين ومفكّرين..
وأما معوقات النجاح فهي مرتكزة على ثلاثة أمور:
أولاً: الارتجال الذي يتجاهل التخطيط الشامل ويعتمد على العواطف دون الحقائق، وعلى الشكل دون الجوهر.
ثانياً: التقلبات السياسية المحلية والعالمية والتي قد تقضي على الحركة أو على الأقل تعرقل مسارها.
ثالثاً: ضعف الإمكانات الضرورية أو على الأقل عدم ترشيد إنفاقها.
هذا وأن لإيقاظ الشعوب والوعي لدى الأمة المسلمة دوراً رئيساً وذلك عن طريق القيادات الفكرية الناضجة والدعوات والحركات الإسلامية الرشيدة حتى تتبنى محنة الأقليات المسلمة لا كظاهرة تثير العواطف ولكن كقضية لها المقام الأول من اهتماماتها...
والحمد لله رب العالمين
([1]). القومية والغزو الفكري ـ جلال العالم.
([2]). نقلت مجلة الطليعة القاهرية عدد ديسمبر 1966م عن حياة المسيح الشعبية.
([3]). الفلبين: محمد يوسف عدس ـ دار المعارف بالقاهرة 1969م.
([4]). انظر الافعى اليهودية لعبد الله التل.